الحمد لله جعل لكل شيء قدراً، وأحاط بكل شيءٍ خبراً، وأسبل على الخلائق رعايته ستراً، أحمده تعالى على نعمائه شكراً، وأسلم لقضائه وقدره صبراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله إلى البشرية عذراً ونذراً، فدعا إلى الله سراً وجهراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أكرِم بهم في نصرة الدين نصراً، ونشره نشراً، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ وأدم لهم أجراً.
أما بعــد:
فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله، فإنها أعظم الوصايا طراً، وأنعم بها عدة وذخراً.
أيها المسلمون: لقد اقتضت حكمة الحكيم الخبير سبحانه حفظ النوع البشري، وبقاء النسل الإنساني؛ إعماراً لهذا الكون الدنيوي، وإصلاحاً لهذا الكوكب الأرضي، فشرع بحكمته -وهو أحكم الحاكمين- ما ينظم العلاقات بين الجنسين الذكر والأنثى، فشرع الزواج بحكمه وأحكامه، ومقاصده وآدابه، إذ الزواج ضرورة اجتماعية لبناء الحياة، وتكوين الأسر والبيوتات، وتنظيم أقوى الوشائج وأوفق العلاقات، واستقامة الحال، وهدوء البال، وراحة الضمير، وأنس المصير.
كما أنه أمرٌ تقتضيه الفطرة قبل أن تحث عليه الشرعة، وتتطلبه الطباع السليمة، والفطر المستقيمة.. إنه حصانة وابتهاج، وسكنٌ وأنسٌ واندماج.. كم خفف هماً، وكم أذهب غماً.. به تتعارف القبائل، وتقوى الأواصر.. فيه الراحة النفسية، والطمأنينة القلبية، والتعاون على أعباء الحياة الاجتماعية، ويكفيه أنه آيةٌ من آيات الله الدالة على حكمته، والداعية إلى التفكر في عظيم خلقه وبديع صنعه:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» خرَّجاه في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.. ويقول صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة» خرَّجه أبو داود والنسائي وغيرهما.
الزواج من سنن المرسلين قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] يقول عمر لـقبيصة رضي الله عنهما: “ما يمنعك عن الزواج إلا عجزٌ أو فجور” ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: “لو لم يبقَ من أجلي إلا عشرة أيام، ولي طولٌ على النكاح لتزوجت كراهية أن ألقى الله عزباً ” ويقول الإمام أحمد رحمه الله: ليست العزوبة من الإسلام في شيء، ومن دعاك إلى غير الزواج دعاك إلى غير الإسلام…….
معاشر المسلمين والمسلمات: إذا كانت هذه شذرة من مكانة الزواج وآثاره، وتلك بعض حكمه وأسراره، فما بال كثيرٍ من الناس يشكو ويتبرم، وما بال المشكلات الاجتماعية تزداد وتتفاقم، والأدواء الأسرية تكثر وتتعاظم؟! حتى لقد أضحى أمر الزواج من كونه قضية شرعية وضرورة بشرية، إلى مشكلة اجتماعية خطيرة، من حيث ما أحدث فيه مما لا يمت إليه بصلة، ولا يرتبط به شرعاً ولا عقلاً .. لقد كثر الحديث عن مشكلات الزواج، وطفحت فيه الكتابات والمقالات، وبحت حناجر الغيورين على مجتمعهم من التحذير مما يصاحب كثيراً من الزيجات من المشكلات والتعقيدات، بل المحرمات والمخالفات، ناهيكم عن الطقوس والشكليات، والتفاخر والمباهاة، والإغراق في الكماليات.
إخوة الإسلام: ولما كانت هذه المشكلة من صميم الحياة الاجتماعية، وتتعلق بحياة كل فرد وأسرة في المجتمع على مختلف الظروف والمستويات، وحيث أنها كذلك لا تزال موجودة متجددة، تتقدم الأعوام وتزداد العراقيل، وتمضي السنوات وتكثر العقبات، وكأن الطرق قد سدت أمام الراغبين في الزواج، والحواجز قد وضعت في طريقهم، والعوائق تنوعت وتعددت في دروبهم، حتى ظهر الحال بمنظرٍ ينذر بخطر العواقب وسوء المنقلب، وحتى غدت قضايا الزواج ملحة تحتاج لعلاجٍ فوري، وتصدٍ جدِّي من المسلمين جميعاً، لا سيما من ذوي المسئولية ودعاة الإصلاح؛ لذا كان لا بد من طرحها بإلحاح؛ قياماً بالواجب الإسلامي، وشعوراً بمأساة كثيرٍ من الشباب العاجزين عن الزواج، والفتيات العوانس في البيوت، الذين أصبحت تكاليف الزواج تمثل شبحاً مخيفاً لهم، وعقبة كئوداً في حياتهم، وهم لا يزالون يصطلون بنار الشهوة، ويكتوون بلظاها، ويئنون من لأوائها.
إخوة العقيدة: لقد أبانت شريعتنا الغراء المنهج الواضح في هذه القضية المهمة، فقد جاءت بتيسير أمور الزواج والحث على الاقتصاد فيه، روى الإمام أحمد رحمه الله من حديث عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة» فالذين يخالفون هذا المنهج بالتأخير والتسويف، والإثقال والتعقيد، إنما يخالفون شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية.
وأستميحكم -يا رعاكم الله- أن أشير إشارات عاجلة إلى بعض الظواهر في هذه القضية المهمة، مع عدد من المشكلات والعقبات في طريق الزواج، مع إلماحةٍ يسيرة إلى آثارها السيئة على الفرد والمجتمع، وبيان المنهج السليم والعلاج القويم؛ علها تجد آذاناً صاغية، وقلوباً واعية، وعل فيها تشخيصاً للداء، ووصفاً للدواء، ومن الله أستلزم العون والتوفيق…….
الظاهرة الأولى وهي أول هذه المشكلات: ألا وهي ظاهرة العنوسة، وعزوف كثير من الشباب من الجنسين عن الزواج، بتعلقهم بآمالٍ وأحلام، وخيالاتٍ وأوهام، وطموحاتٍ ومثاليات، هي في الحقيقة من الشيطان .. فبعضهم يتعلق بحجة إكمال السُّلَّم التعليمي مثلاً، زاعمين أن الزواج يحول بينهم وبين ما يرومون من مواصلة التحصيل، وتلك شبهة واهية، فمتى كان الزواج عائقاً عن التحصيل العلمي؟ بل لقد ثبت بالتجربة والواقع أن الزواج الموفق يعين على تفرغ الذهن وصفاء النفس، وراحة الفكر وأنس الخاطر، ثم نقولها بصراحة: ماذا تنفع المرأة -بالذات- شهاداتها إذا بقيت عانساً قد فاتها ركب الزواج، وأصبحت أيماً لم تسعد في حياتها بزوجٍ وأولاد، يكونون لها زينة في الحياة وذخراً لها بعد الوفاة؟!
وكم من امرأة فاتها قطار الزواج، وذهبت نظارتها، وذبلت زهرتها، وتمنت بعد ذلك تمزيق شهاداتها لتسمع كلمة الأمومة على لسان وليدها، ولكن ليت وهل ينفع ليت شيئاً؟ وكم هي الصيحات والزفرات الحراء التي أطلقت من المجربات! فأين المتعقلات؟
إن هذه المشكلة ومثيلاتها مردها إلى غبشٍ في التصور، وخللٍ في التفكير، بل لا نبالغ إذا قلنا: إنها إفراز ضعف المعتقد، وقلة الديانة، والخلل في الموازين، وسوء الفهم لأحكام الشريعة .. إنه النظر المشوش حول المستقبل، والتخوف الذي لا مبرر له، والاعتماد على المناصب والماديات، والتعلق بالوظائف والشهادات، وتأمين فرص العمل -زعموا- مما يزعزع الثقة بالله والرضا بقضائه، ويبعث النظر المتبصر، والفكر المتعقل.
إن حقاً على الشباب والفتيات أن يبادروا عملياً إلى الزواج متى ما تيسر لهم أمره، وألاَّ يتعلقوا بأمور مثالية، تكون حجر عثرة بينهم وبين ما ينشدون من سعادة وفلاح، ويقصدون من خير ونجاح، وألاَّ يتذرعوا بما يسمونه تأمين المستقبل، فالله عز وجل يقول: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32].
وصديق هذه الأمة رضي الله عنه يقول: “أطيعوا الله فيما أمركم من النكاح؛ ينجز لكم ما وعدكم من الغنى” ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: “التمسوا الغنى في النكاح”.
أمة الإسلام: إن ظاهرة العنوسة في المجتمع، وعزوف كثيرٍ من الشباب من الذكور والإناث عن الزواج، له مضاره الخطيرة، وعواقبه الوخيمة على الأمة بأسرها، لا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه أسباب الفتن، وتوفرت فيه السبل المنحرفة لقضاء الشهوة، فلا عاصم من الانزلاق في مهاوي الرذيلة والفساد الأخلاقي إلا التحصن بالزواج الشرعي.
فالقضية -أيها الغيورون- قضية فضيلة أو رذيلة، ومن المؤسف أن يصل بعض الشباب إلى سن الثلاثين والأربعين وهو لم يفكر بعد في موضوع الزواج، وما انفتحت أبواب الفساد إلا لما وضعت العراقيل أمام الراغبين في الزواج، بل لم ينتشر الانحلال والدعارة وما وراء ذلك وقبله من المعاكسات والمغازلات والعلاقات المشبوهة، والسفر إلى بيئاتٍ موبوءة، ومستنقعاتٍ محمومة، إلا بسبب تعقيد أمور الزواج، لا سيما مع غلبة ما يخدش الفضيلة، ويقضي على العفة والحياء، مما يرى ويُقرأ ويسمع، مع ألوان الفساد الذي قذفت به المدنية الحديثة، وحدث -ولا كرامة- عما تبثه القنوات الفضائية، والشبكات المعلوماتية، التي تفجر براكين الجنس، وتزلزل ثوابت الغريزة، وتوجه ضد قيم الأمة وأخلاقها، فإلى الله المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
إخوة الإيمان! وهذه إشارة ثانية إلى مشكلة أخرى، وعقبة كئود، ألا وهي عضل النساء عن زواج الأكفاء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عريض» خرَّجه الترمذي وابن ماجة والحاكم بسندٍ صحيح.
إن بعض الأولياء -هداهم الله- قد خانوا الأمانة التي حملوها في بناتهم وفتياتهم بمنعهن من الزواج من الأكفاء ديناً وخلقاً وأمانة، فقد يتقدم إليهم الخاطب الكفء فيماطلونه ويعتذرون له بأعذارٍ واهية، وينظرون فيه إلى أمور شكلية وجوانب كمالية.. يسألون عن ماله، وعن وظيفته، وعن وجاهته ومكانته، ويغفلون أمر دينه وخلقه وأمانته، بل لقد وصل ببعض الأولياء الجشع والطمع أن يعرض ابنته الحرة المسلمة الكريمة سلعة للمزايدة، وتجارة للمساومة والعياذ بالله! وما درى هؤلاء المساكين أن هذا عضلٌ وظلمٌ وخيانة، وقد تكون مدرسة أو موظفة فيطمع في مرتبها، فأين الرحمة في هؤلاء الأولياء؟ وكيف لا يفكرون بالعواقب؟
أيسرهم أن يسمعوا الأخبار المفجعة عن بناتهم مما يندى له جبين الفضيلة والحياء؟
يا سبحان الله! كيف يجرؤ مسلم غيور يعلم فطرة المرأة وغريزتها على الحكم عليها بالسجن المؤبد في بيته إلى ما شاء الله؟!
ولو عقل هؤلاء لبحثوا هم لبناتهم عن الأزواج الأكفاء، فهذا عمر رضي الله عنه يعرض ابنته حفصة على أبي بكر ليتزوجها، ثم على عثمان رضي الله عنهم أجمعين، وهذا سعيد بن المسيب رحمه الله يزوج تلميذه أبا وادعة ، وهذا ديدن السلف في عصورهم الزاهية.
إن تضييق فرص الزواج علة خراب الديار، به تقض المضاجع، وبه تكون الديار بلاقع، وبه يقتل العفاف، وتوأد الفضائل، وتسود الرذائل، وتهتك الحرمات، وتنتشر الخبائث والسوءات.
فيا أيها الأولياء: اتقوا الله في من تحت أيديكم من البنات، بادروا بتزويجهن متى ما تقدم الخطاب الأكفاء في دينهم وأخلاقهم، إلاَّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير، واعلموا أن عضل النساء ورد الأكفاء فيه جناية على النفس وعلى الفتاة، وعلى الخاطب وعلى المجتمع برمته، والمعيار كفاءة الدين، وكرم العنصر، وطيب الأرومة، وزكاء المعدن، وسلامة المحضن، وحسن المنبت، وصدق التوجه.
أوصى بعض الحكماء بنيه عند الزواج فقال: يا بني! لا يحملنكم جمال النساء عن صراحة النسب، وكرم العنصر، فإن المناكح الكريمة مدارج الشرف، وأبلغ من ذلك قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «فاظفر بذات الدين تربت يداك».
فيا أيها الأولياء: اتقوا الله عز وجل في مسئولياتكم
أمة الخير والفضيلة: إشارة ثالثة إلى مشكلة من المشكلات المستعصية: ألا وهي مشكلة غلاء المهور، والمبالغة في الصداق في بعض الأوساط، حتى صار الزواج عند بعض الناس من الأمور الشاقة أو المستحيلة، وبلغ المهر في بعض البقاع حداً خيالياً لا يطاق، إلا بجبال من الديون التي تثقل كاهل الزوج، ويؤسف كل غيور أن يصل الجشع ببعض الأولياء أن يطلب مهراً باهضاً من أناسٍ يعلم الله حالهم، ولو جلسوا شطر حياتهم في جمعه لما استطاعوا، فيا سبحان الله! أإلى هذا المستوى بلغ الطمع وحب الدنيا ببعض الناس؟ وكيف تعرض المرأة المسلمة سلعة للبيع والمزايدة وهي أكرم من ذلك كله؟ حتى غدت كثيرات مخدراتٍ في البيوت، حبيساتٍ في المنازل؛ بسبب ذلك التعنت والتصرف الأرعن.
إن المهر في الزواج وسيلة لا غاية، وإن المغالاة فيه لها آثار سيئة على الأفراد والمجتمعات لا تخفى على العقلاء؛ من تعطيل الزواج، أو الزواج من مجتمعات أخرى مخالفة للمجتمعات المحافظة مما له عواقب وخيمة، فرب لذة ساعة، تعقبها حسرات إلى قيام الساعة.
ولم يقف الجشع ببعض الناس عند هذا الحد؛ بل تعداه إلى ما هو أبعد من ذلك مما هو خروجٌ عن منهج السلف الصالح رحمهم الله، يقول الفاروق رضي الله عنه: “ألا لا تغالوا في صُدق النساء، فإنها لو كانت مكرُمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة لكان النبي صلى الله عليه وسلم أولاكم بها، لم يصدق امرأة من نسائه، ولم تصدق امرأة من بناته بأكثر من ثنتي عشرة أوقية” ولعله لا يزيد في عملتنا المعاصرة على مائة وعشرين ريالاً فقط.
وقد زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم رجلاً بما معه من القرآن، وقال لآخر: «التمس ولو خاتماً من حديد» وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب، وقد أنكر صلى الله عليه وسلم على المغالين في المهور، فقد جاءه رجلٌ يسأله فقال: يا رسول الله! إني تزوجت امرأة على أربع أواقٍ من الفضة -يعني مائة وستين درهماً- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أوه! على أربع أواقٍ من الفضة؟! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل؟ ما عندنا ما نعطيك» الله المستعان! كيف بحال المغالين اليوم؟!
أما علم أولئك أنهم مسئولون أمام الله عن أمانتهم ورعاياهم؟ هل نزعت الرحمة من قلوبهم والعياذ بالله؟!
أمة الإسلام! وإشارة رابعة إلى مشكلة من المشكلات في موضوع الزواج: ألا وهي ما أحيطت به بعض الزيجات من تكاليف باهظة، ونفقات مذهلة، وعادات اجتماعية فرضها كثيرٌ من الناس على أنفسهم تقليداً وتبعية، مفاخرة ومباهاة، وإسرافاً وتبذيراً.
لماذا كل هذا يا أمة الإسلام؟ والله يقول: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:27] إنه لمما يندى له الجبين أن تصرف أموالٌ طائلة على مناسبة واحدة، في أي سبيل ذلك؟ أأغرى هؤلاء وجود المال بين أيديهم؟!
إن أناساً يتخوضون في مال الله بغير حقه لهم النار يوم القيامة! ألا تعتبرون يا عباد الله بأحوال إخوانٍ لكم في العقيدة في بقاعٍ شتى من العالم ممن لا يجدون ما يسد رمقهم، ولا ما يواري عوراتهم؟! نعوذ بالله من الكفر بنعمه، ونسأله تعالى ألاَّ يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا .. إننا والله نخشى عقوبة الله العاجلة قبل الآجلة.
وهنا لفتة إلى ضرورة التعاون مع الجمعيات الخيرية لتلقي فائض الأطعمة والولائم لتوزيعها على فقراء المسلمين بدل رميها في أماكن النفايات والعياذ بالله.
فاتقوا الله رحمكم الله! وتناصحوا فيما بينكم، وتعقلوا كل التعقل في أمور الزواج، ولا تتركوا الأمر بأيدي غيركم من السفهاء والقاصرات، والدعوة موجهة للمصلحين والوجهاء، والعلماء والأثرياء، وأهل الحل والعقد في الأمة أن يكونوا قدوة لغيرهم في هذا المجال، فالناس تبعٌ لهم، وعلى وسائل الإعلام بصفة خاصة بكافة قنواتها نصيبٌ كبيرٌ في بث التوعية والتوجيه في صفوف أبناء المجتمع؛ لعلاج هذه المشكلات الاجتماعية الخطيرة، وكان الله في عون العاملين المخلصين لما فيه صلاح دينهم ومجتمعهم وأمتهم.
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعني وإياكم بالآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين والمسلمات، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان حليماً غفوراً.