للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
يقول تعالى: ﴿إِنّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ الإنسان: 2, والمفسرون كافة بلا استثناء على أن النطفة الأمشاج هي حصيلة ماء الرجل والمرأة والأمشاج أخلاط من الجنسين, وقبل اكتشاف المجهر بعد عصر تنزيل القرآن بأكثر من عشرة قرون لم يكن يعلم أحد بتكون الجنين من بويضة مخصبة Fertilized egg تماثل “نطفة” أي قطيرة ماء غاية في الضآلة ذات أخلاط تحتوي على مكونات وراثية من الأبوين نسميها اليوم كروموزومات Chromosomes.
ويقول تعالى: ﴿يَأَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ﴾ الحجرات 13, قال القرطبي (ج: 16 ص: 342و343): “بيَّنَ الله تعالى في هذه الآية أنه خلق الخلق من الذكر والأنثى.. وقد ذهب قوم من الأوائل إلى أن الجنين إنما يكون من ماء الرجل وحده، ويتربى في رحم الأم ويستمد من الدم الذي يكون فيه.. والصحيح أن الخلق إنما يكون من ماء الرجل والمرأة لهذه الآية؛ فإنها نص لا يحتمل التأويل”.
وتبدأ مراحل خلق الإنسان بتكون الحوين المنوي عند الأب لأن جميع بويضات الأم مكونة أساسا وهي جنين, والسائل المنوي يماثل ماء عديد النطف أي القطيرات, وهو ما يكشفه القرآن الكريم بالنص الصريح, قال تعالى: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِن طِينٍ. ثُمّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مّن مّآءٍ مّهِينٍ﴾ السجدة 7و8, وقال تعالى: ﴿أَلَمْ نَخْلُقكّم مّن مّآءٍ مّهِينٍ﴾ المرسلات 20،
ولكن لا يقوم بالإخصاب إلا مكون منوي واحد من السائل المنوي المماثل للماء عديد النطف؛ أي من نطفة Drop-like Embryo, وهو ما يؤكده القرآن الكريم في جملة آيات, قال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مّنِيّ يُمْنَىَ” القيامة 36و37, ويقول تعالى: ﴿خَلَقَ الإِنْسَانَ مِن نّطْفَةٍ ﴾النحل 4, ويقول تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنّا خَلَقْنَاهُ مِن نّطْفَةٍ” ﴾ يس 77.
والمدهش أن يعدل القرآن في وصف مكونات المني المماثل للماء إلى اسم الفاعل “دافق” بدلا من اسم المفعول قبل أن يعاين بالمجهر حركته الذاتية أحد, يقول تعالى: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّاءٍ دَافِقٍ﴾ الطارق 5و6.
ولصعوبة الرؤية في المجاهر الأولية رسم داليمباتيوس Dalempatius الإنسان كاملاً داخل رأس الحوين المنوي عام 1699م, أي قبل بداية القرن 18 بعام واحد فقط بدون إدراك لتخلق الجنين من الأبوين في أطوار, بينما يعلن القرآن الكريم بجلاء منذ القرن السابع الميلادي بتخلق الجنين في أطوار, يقول تعالى: ﴿مّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلّهِ وَقَاراً. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾ نوح 13و14.
والمرحلة الأولى لتخلق الجنين تتم خارج التجويف الرحمي وتدهش أن يعدل القرآن الكريم في مقام بيان تكون كل الأطوار إلى لفظ البطون في قوله تعالى: ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ﴾ الزمر 6, وتحيط بالجنين ثلاث أغشية مجهرية بالفعل.
ويبين القرآن بالتفصيل تباين أطوار تكون الجنين في تعبيرات وصفية دقيقة تتفق تماما مع الأطوار الفعلية للجنين, يقول العلي القدير: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مّن طِينٍ. ثُمّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مّكِينٍ. ثُمّ خَلَقْنَا النّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ المؤمنون 12-14.
والجنين في مرحلته الرحمية الأولى أشبه ما يكون بالعلقة Leech-like Embryo؛ فلا تجد نظيرا لها يماثله في تلك المرحلة, فهي طولية الشكل وبلا قلب نابض وتعيش بالتغذي على دماء كائن آخر معلقة به, وهي نفس أوصاف أول مرحلة جنينية في الرحم, وتبدأ بعدها الأعضاء الأولية في التكون فيتجعد الجنين وتظهر فيه انبعاجات وانخفاضات وتتضح الأجسام البدنية التي تكون فقرات العمود الفقري لاحقا وهي أشبه ما تكون بعلامات الأسنان في علكة أو قطعة لحم ويصل الجنين إلى حجم ما يمضغ وينحني في الهيئة فكان لفظ (مضغة) هو أنسب تعبير بما يماثله في تلك المرحلة Chewable mass -like Embryo, وتنتهي مرحلة تكون الأعضاء الأولية تلك بتكون بدايات العظام في الأسبوع السابع وتغطيها أوليات العضلات في الأسبوع الثامن, ولذلك يمثل التعبير ﴿فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً﴾ تحديا علميا غير مسبوق في أي كتاب آخر ينسب للوحي, وتنتهي مرحلة تكون الأعضاء الأولية Organogenesis مع نهاية الأسبوع الثامن, وبتكون الهيكل الأولي بعد الأسبوع السادس يأخذ الجنين الشكل الإنساني ولا يتبقى إلى الولادة سوى النمو وتعديل الهيئة ونسبة الرأس والبدن وهو ما يتفق مع التعبير ﴿ثُمّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾, ولا يملك العقل والوجدان سوى التسليم بيقين بأن تلك الحقائق العلمية التي يقدمها القرآن الكريم بتلطف لا يلفت عن الغرض لا يمكن أن يكون مصدرها بشر قبل إدراكها مجهريا والتحقق منها في عصر الثورة العلمية خاصة في القرون الثلاثة الأخيرة, ولذا لا يقدم الطاعنون سوى أدلة على المكابرة والعناد والجهل بحقائق العلوم وسوء فهم لدلائل الوحي في الكتاب الكريم.